


بلدية منجز: القصة التي يجب أن تفكروا بها قبل أن تصوتوا
مايو 8, 2025
A-
A+
طوال أربعة أسابيع من أيار، سيتوجه اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجالس بلدية ورؤساء بلديات لأكثر من ١٠٥٩ مدينة وبلدة وقرية.
هذه الانتخابات، الأولى منذ تسع سنوات، تعني أن جيلًا كاملًا بات اليوم يشارك للمرة الأولى في اختيار قياداته المحلية.
في وقت انتهت فيه قصص كثير من البلديات، السابقة والحالية، إلى الفشل في تحقيق الوعود، سواء بسبب سوء الإدارة، الفساد، أو عجز المجالس، وأيضًا بفعل الأزمات المتتالية التي شلّت العمل على المستويين الوطني والمحلي، هناك قصص قليلة نجحت، متحدية كل الصعاب، بفضل الرؤية والعمل الدؤوب.
واحدة من هذه القصص التي تسلط عليها “تروث تراند” و”بولي بلوغ” الضوء اليوم، تأتي من أقصى شمال لبنان، على تماس الحدود مع سوريا، حيث تقع بلدة صغيرة اسمها “منجز”، بمساحة لا تتجاوز الستة كيلومترات مربعة، لكنها تختزن إرثًا طبيعيًا وثقافيًا نادرًا.
في منجز، يمتد الحرش الأسود المصنّف موقعًا للتنوع البيولوجي على البحر المتوسط، وتتوزع فوق تلالها معابد رومانية تعود إلى القرن الأول، ومقابر ميجاليتيّة من القرنين العشرين والخامس والعشرين قبل الميلاد، وقلعة صليبية، ودير أثري من القرن الثامن عشر، إضافة إلى بيوت قديمة صُنفت نموذجًا للفن المعماري التقليدي.
هذه القرية، التي أغنتها الطبيعة بالينابيع والمياه والنهر الحدودي، كان مصيرها أن تتحول إلى نموذج يُحتذى به، بفضل رؤية جورج يوسف رئيس البلدية وفريق عمله.
جورج، المعالج الفيزيائي وأستاذ الجامعتين (جامعة الحكمة والجامعة الأنطونية)، حمل همّ بلدته بقلبه وعقله. ومنذ انتخابه كأول رئيس منتخب للمجلس البلدي عام ٢٠١٢، أطلق رؤية إنمائية شاملة غيّرت وجه منجز بالكامل.
أسس جورج بلدية حديثة لا تشبه البلديات التقليدية، بل مؤسسة متكاملة وضعت أربع خطط استراتيجية متوازية: الطاقة البديلة، السياحة البيئية، إدارة الموارد الطبيعية، ومكافحة الحرائق.
بفضل هذه الجهود، باتت المياه تصل إلى أهالي البلدة ٢٤/٢٤ عبر مشروع مستدام، وأُنشئت محطة طاقة شمسية لتغذية مضخات المياه.
وزُرع ٢٥ ألف شجرة صنوبر، لتحول منجز إلى منتج رئيسي لهذه الثمرة الثمينة. كما جرى تقديم دعم زراعي عيني شمل زراعة الزيتون والخرنوب، وتربية النحل، والأعشاب العطرية.
في مجال حماية التراث، دخلت منجز عام ٢٠١٩ اللائحة التمهيدية للتراث العالمي لدى اليونسكو، وتم إنشاء شراكة مع جامعة جنيف أثمرت عن تأسيس متحف أثري ومركز ثقافي يضم مكتشفات البلدة مع قاعات عرض ولوحات إرشادية.
أما بيئيًا، فأنشئت محطة تكرير للصرف الصحي، وشبكات ري حديثة، وطرقات زراعية داعمة للإنتاج المحلي.
لكن مع كل إنجاز، كانت التحديات تزداد. الأحزاب السياسية التي لم تستسغ هذا النجاح المستقل، حاولت مرارًا إسقاط جورج يوسف عبر تحالفاتها، إلا أن الرجل واصل مسيرته بدعم أهالي البلدة الذين آمنوا بمشروعه.
اليوم، يلوح خطر حقيقي. هناك محاولات جديدة لإقصاء جورج يوسف عن رئاسة بلدية منجز، ما يهدد بنسف هذه التجربة الفريدة، وإعادة البلدة إلى زمن الصراعات والمصالح الضيقة.
في قصة جورج يوسف ومنجز، برهان حي على أن العزيمة والرؤية قادرتان على تحدي القواعد السائدة، وبناء نموذج يجب أن يكون قدوة لكل من يطمح إلى العمل البلدي الجاد — حتى في قرية صغيرة على هامش الحدود المنسية.