


صوت الجحيم.. صرخة مغربيّات في حقول الجنوب الإسباني
أبريل 28, 2025
A-
A+
تَنزَح عدد من المغربيات نحو الجار الأقرب جغرافياً في الضفة العليا، إسبانيا، هروباً من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تتخبّط فيه عدد من العائلات في مدن “المغرب العميق” أو المغرب غير النافِع حسب عدد من الدراسات السوسيولوجية.
وفي الوَقت الذي كانَت مصالِح الدولة المغربية تشرِف في بداية الألفية على تسجيل العاملات الراغِبات في الاشتغال بحقول “الهويلفا” في الجنوب الاسباني، فإن أساليب الاستقطاب تطوّر بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة.
فلَم تكن رقيّة (42 سنة) تعلَم وهي تتجِه لسحبِ جوازِ سفرها بعد حصولها على تأشيرة العمل في حقول الفراولة بإسبانيا أنها ستقضي سنواتً من العذاب النفسي والجنسي داخِل حقول اسبانيا من أجل “لقمة العيش”.
تَحكي رقيّة، وهي أم لأربعةِ أبناء فقَدت زوجها الذي كانَ يشتغِل عامل بناء، انها بحثت عن فرصة عمل في الديار الإسبانية شأنَها شأن عددٍ من النساء المغربيات اللائي يختَرن “الجنة الموعودَة” من أجل العِتق من “جهنم الفقر والعَوز” بالمملكة المغربية.
وفي حديثها مع “تروث تراند” تكشِف رقيّة أنها قضَت ومنذ أن وطأت قدماها منطقة “هويلفا” بالجنوب الإسباني سنة 2018، سبَع سنواتٍ عِجاف شاهَدت من خلالِها “الوجه البشِع” للغرب والرأسمالية الفِلاحية.
أرقام مخيفة
حسب المعطيات التي يوفّرها موقع huelvainformacion فإن عدد العمّال المغاربة في حقول “هويلفا” لَم يكن يتعدى 1000 شخصٍ في سنة 2003 بينما تضاعف الرقم بنسبة 422.8 في المئة سنة 2022 واستمر في الارتفاع ولامَس نسبة 1000 في المئة مع وصول سنة 2025.
هذه الأرقام المخيفة، كانَت مؤشراً واضِحاً على سعيِ عدد كبير من المغارِبة لإيجادِ منفذٍ نحو “الحُلم الأوروبي” عبر الحصول على فُرص عملَ من أجل العمل في الحقول الفلاحية الإسبانية.
الموقِع نفسه يضَع اليد على تطوّر عملية استقبال حقول “هويلفا” للمغربيات العامِلات في إسبانيا حيث يشير إلى أن عدد العامِلات النساء في سنة 2003 كان 753 سيدة، ليزيد الرقم إلى 7892 في 2022، بارتفاع وصل إلى 948 في المئة، وأنه استمر في الارتفاع متجاوزاً ذلِك بالكثير في سنة 2025.
هرولَة المغاربة نحو الحقول الإسبانية وخصوصاً النِساء لا يمكِن فهمه من دون العودة للأسباب الاجتماعية والاقتصادية، حيث أن العَدد الأكبر من النساء اللواتي “ينزَحن” من أجل لقمة العيش في إسبانيا حالات يغلِب عليها “العَوز” وقلّة الحاجَة.
وتُسيطر العامِلات المغربيات على حقول الفِلاحة بهويلفاً، خصوصاً العمل في جني الفراولة وزرعِها، وهذا ما تؤكده النداءات السنوية التي يُطلِقها أرباب الحقول الإسبانية في المغرِب من أجل توفير عقود عمل موسمية لاختيار عاملات جديدات رغم الانتقادات الكبيرة التي تلاحِق هذه العملية من طرف هيئات حقوقية مغربية تسلّط الضوء على الواِقع الأسود لحقول “هويلفا” ومنتجي الفراولة الحمراء الإسبان.
سؤال الاندماج
لا تُدرِك رقيّة شيئاً عن الأرقام التي ذُكرِت مسبقاً لكنها تعيشُ الوضع بشكلٍ واقِعي، حيث كشَفت في حديثها مع “تروث تراند” أنها وجَدت العاملات المغربيات مسيطِراتٍ على منطقة “هويلفا” منذ قدومها قيل سبع سنوات، مشيرة لأنها وجَدت نفسها في منطقة مشابِهة للمناطِق الفلاحية المغربية التي تعمَل على نفس النشاط الفِلاحي.
“لا تجِد العاملات صعوبة كبيرة للاندماج في المجتمع الهويلفي خصوصاً في ظل سيادة العاميّة المغربية على لغة التواصل داخِل الحقول” تقول رقيّة.
سؤال الاندماج غير مطروح تماماً في الحقول الإسبانية، فمعظم العامِلين والعامِلات يعيشون خارِج التَّماس مع ثقافة المجتمع الإسباني أو لغته، وهذا بالنظر لتمنّع الإسبان عن المشاركة في هذه الأنشطة الفِلاحية كَيدٍ عاملة، نظراً لعدد من الاعتبارات.
وتؤكّد رقيّة أن الجنسيات الموجودة في حقول “هويلفا” هي في الغالِب من دول أميركا الجنوبية أو المهاجرين السريّين لدول إفريقيا وجنوب الصحراء، في الوقت الذي يُسجّل حضور طفيف لبعض البلقانيّين القادمين من الرأس الأسود أو سلوفينيا وحتى رومانيا.
الاعتداءات الجنسية.. إجبار على الصمت
كانَت الصحافة الإسبانيّة سبّاقة لوضع اليد على ملف تعرّض العاملات المغربيات في حقول “هويلفا” للتحرشّ والاعتداءات الجنسية من طرف العاملين والمزارعين. وسبق أن اكتشَف المغاربة حجم “بشاعَة” ما تتعرّض له “عاملات الفراولة” في تحقيقٍ صحفي لموقع “Correctiv” تحكي فيه عاملة عن اغتصابها من طرف مسؤولها المباشر.
موجَة كَسر الصمت أكّدتها أيضاً صحيفة “إلباييس” الإسبانية التي نقلت قصة عاملتين مغربيّتين تحدثتا عن محاولة اغتصابهما بشكل واضِحٍ ما خلّف حالة صدمة كبيرة في المجتمع المغربي الذي اكتشَف “هول” القضية مع الشهادات التي تناسلَت لاحقاً من طرف عاملات اخترن الإفصاح.
السعي نحو الحكي سرعان ما تخافت بسبب الشروط الجديدة التي أضحَى أصحاب مزارع “هويلفا” يفرِضونها على العاملات. الصمت مقابِل العمَل، هذا ما أكّدته رقية، معتبِرة أن مرحلة ما قبل 2020 وجائحة كورونا تختلِف عن المرحلة اللاحقة لها.
قبل سنة 2020 حسب نفس الشهادة، كان من السهل الحصول على عقد عمل في حقول الفراولة بهويلفا، لكن بعد ذلِك وخصوصاً مع الفضائِح المتتالية التي كَشفَت عنها الصحافة بخصوص حالات الاعتداء فقد أضحى عدد كبير من المزارعين يضعون شروطاً دقيقة لاختيار العاملات.
شروط شيطانية
تصِف رقيّة، مرافِقتنا في هذا التقرير، شروط المزارعين الإسبان الجديدة بأنها “شروط شيطانية” حيث أصبَح المزارعون الإسبان يتعمّدون تشغيل نساء متزوّجات ولا يتجاوَزن في أقصى حدّ الخمسَة والأربعين سنة بدعوى أنهن لَن يفكّرن في الهجرة غير الشرعية والبقاء في إسبانيا، لكن السبب ليس هو هذا.
يعود السبب حسب المتحدّثة إلى أن توالي محاولات التحرّش والمقايضة من طرَف المزارعين الإسبان يدفَع النساء المتزوجات إلى الرضوخ للرغبات الجنسية لمشغّليهم، مضيفة أن هذه الحيلة اختارَها المزارعون من أجل ضمان الصمت، وهو ما يتحقّق بنسبة كبيرة لدى المتزوجات اللواتي يقبَلن المساومة الجِنسية مقابِل الاستمرار في العَمل، لأنهن لا يستطِع كشف التفاصيل في العَلَن.
فاطِمة (34 سنة) متزوّجة وأم لطفلة وحيدَة، ترَكت المغرب قبل سنة واتجَهت نحو إسبانيا من أجل توفيرِ ظروفٍ مادية أفضل لابنتِها صاحبة الخمس سنوات، -تحكِي فاطِمة- بِمرارة عن تعرّضها للتحرش الجِنسي من طرف العاملين والمزارِعين منذ الأسبوع الأول لوصولِها نحو إسبانيا.
“لَم أكُن أعتقِد أنّني أستطيع الرضوخ للمساومة الجنسيّة، لكن قلّة الحاجة دفعتني نحو ذلِك دفعاً” بهذه العبارة ردّت فاطمة على سؤال “تروث تراند” حول تعرّض للاعتداء الجنسي في الحقول الإسبانية.
الشروط الجديدة التي وجَدها أصحاب المزارِع فرصَة مواتِية لعدم توقّف نشاطِهم الفلاحي من جهة والمحافَظة على “جنّتهم الجنسية” من جهة أخرى، -هذه الشروط- لا تدوّن في أي نصٍ قانوني مرتبِط بالهجرة لكنّها أصبحَت عُرفاً سائداً لا يمكِن إلا الانضباط له في حالة الرغبة في الوصول إلى حقول “هويلفا”.
تنتشِر في حقول “هويلفا” جميع أشكال استعباد واسترقاق العاملات القادِمات ليس من المغرب فقط بل من مختلَف بقاع العالَم، وتتحوّل حياة عدد كبير منهم لجحيم واضِح بسبب الاعتداءات الجنسية وغياب التغطية الصحية ومظاهِر أخرى تجعل “الحُلم الأوروبي” يصبِح جحيماً.