


معمل إترنيت: ارتفاع المخاوف من كارثة صحية بعد الحريق
سبتمبر 13, 2024
A-
A+
نشب حريق في مصنع الأسبستوس-أسمنت (amiante-ciment) المتوقف عن العمل لشركة إترنيت في شكا، مما أدى إلى إطلاق ألياف أسبستوس خطيرة في الهواء. ويبرز هذا الحادث المخاطر المستمرة على الصحة العامة والبيئة المرتبطة بتلوث الأسبستوس.
إدوارد صفير، ترجمة منى راضي
منذ شهر آب 2018، لم يشهد مصنع الأسبستوس-أسمنت في شكا، “إترنيت”، أي حريق. ومساء السبت، نشب حريق في محيط هذه القنبلة الموقوتة المغلقة منذ عدة سنوات. ويشكل هذا الحادث خطرًا كبيرًا على السكان والنباتات في المنطقة. فاشتعلت النيران في الأشجار والحطام النباتي المتروك قبل أن تصل إلى الهياكل المصنوعة من الأسبستوس-أسمنت (أنابيب وألواح أخرى) المتروكة بالقرب من المصنع، مما أدى إلى ارتفاع سحابة من الدخان الأسود المحمّل بألياف الأسبستوس. ويقول الخبير في تلوث الهواء ورئيس قسم الكيمياء في كلية العلوم بجامعة القديس يوسف في بيروت، شربل عفيف، خلال مقابلة مع 961 Scientia، ” ستزيد هذه الكتلة الهوائية الساخنة من الوقت اللازم لتساقط ألياف الأسبستوس على الأرض، مما يسمح للألياف بالانتشار في الهواء. وحتى بعد هطول الأمطار، يمكن لألياف الأسبستوس أن تنفصل عن الرياح وتنتقل إلى أماكن جديدة.”
على الرغم من اطفاء الحريق، أفاد مصدر مقرب من الملف إلى Scientia 961 إن اندلاع الحريق حصل بشكل متعمّد وقد تكون الأضرار محدودة. وكتب وزير البيئة ناصر ياسين، بالإضافة إلى وزير الصحة فراس أبيض، ووزير العدل هنري خوري، رسالة عاجلة لوضع مسألة هذا المصنع على جدول أعمال مجلس الوزراء المقبل.
خطر كبير
الأسبستوس مادة خطيرة وسرطانية تتسبب أمراض خطيرة، بل وحتى مميتة. فتُستنشق إلى الرئتين الألياف الدقيقة جداً التي تشكل الأسبستوس، حيث تُسبب أضرارًا على المستوى الخلوي. ولا يمكن للبلاعم، والتي هي خلايا مناعية في الرئتين، التخلص تمامًا من هذه الألياف، مما قد يؤدي إلى حدوث تلف والتهابات.
تُنتج ألياف الأسبستوس أيضًا جزيئات حُرّة (جزيئات غير مستقرة) تُضرّ بالحمض النووي في الخلايا وتُسبب تحوّل جيني. وقد يؤدي هذا التحوّل إلى تكاثر الخلايا غير المسيطر عليها ويساهم في تكوين الأورام. ويؤثر الأسبستوس على تنظيم التعبير الجيني عن طريق تعديل آليات التخلّق (تأثير البيئة على التعبير الجيني). ومن خلال تعطيل انقسام الخلايا الطبيعية، يزيد نمو الخلايا وتكوين الأورام.
مع ذلك، فلا تظهر آثار التعرض للأسبستوس غالباً إلا بعد سنوات عديدة من التعرض الأولي، مما يجعل تشخيص وعلاج الأمراض المرتبطة بالأسبستوس صعبًا للغاية. وتشمل الأمراض المرتبطة بالأسبستوس سرطان الرئة، ورم الغشاء المحيط بالرئة (نوع من السرطان الذي يسببه الأسبستوس) وسرطان الصفاق.
لذا من الضروري اتخاذ تدابير للوقاية من التعرض للأسبستوس. وعندما يلزم التعامل مع المواد التي تحتوي عليه، من المهم اتباع بروتوكولات الأمان المناسبة لتقليل التعرض. وعلاوة على ذلك، يجب فحص المباني التي تحتوي على الأسبستوس بانتظام، وتصنيف أي مادة تحتوي عليه بشكل صحيح والتخلص منها بطريقة آمنة. ويمكن تقليل خطر الأمراض وحماية صحة وسلامة العمال والمقيمين من خلال اتخاذ تدابير وقائية للحد من التعرض للأسبستوس.
أكثر من 80 عامًا من الكوارث…
يُعتبر مصنع الأسبستوس-أسمنت في شكا كارثة بيئية وصحية حقيقية، حيث بُنيَ عام 1938 واستُغِلَّ لأكثر من 50 عامًا بواسطة لشركة “إترنيت” السويسرية. وعلى مدار جميع هذه السنوات، أطلق المصنع كميات هائلة من غبار الأسبستوس في الهواء والمياه في المناطق المحيطة، مما تسبب في تلوث بيئي وتعريض العاملين والسكان المحليين لخطر محتمل. وفي عام 1978، أظهرت دراسة أجرتها وزارة البيئة اللبنانية أن تركيز غبار الأسبستوس في الهواء بالقرب من المصنع قد تخطّى الحد الأقصى المتّفق عليه من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO) ب 20 مرّة. ورغم ذلك، استمر المصنع في العمل دون اتخاذ تدابير كافية لحماية العمال أو المجتمعات المحيطة من التعرض للأسبستوس.
نتيجة لذلك، تعرض عمال المصنع بشكل خاص لتركيزات عالية من غبار الأسبستوس في الهواء، مما أدى إلى معدلات مرتفعة من الأمراض المهنية والوفيات. وتعرض السكان المحليون لمستويات عالية من غبار الأسبستوس بسبب انتقاله في الرياح. وفي عام 1991، أُغلق المصنع تماماً بعد نضال طويل قاده العمال والنقابات والمجموعات البيئية الذين طالبوا باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الصحة العامة.
منذ ذلك الحين، بُذلت جهود لتقييم مدى تلوث البيئة وصحة العمال والسكان المحليين. ففي عام 2003، أجرت منظمة الصحة العالمية دراسة صحية كشفت فيها عن معدلات مرتفعة من الوفيات نتيجةً للأمراض المرتبطة بالأسبستوس بين عمال المصنع وسكان المنطقة. ومع ذلك، بقي التلوث المستمرّ بالأسبستوس في الهواء والمياه المحيطة مصدرَ قلق لسكان المنطقة والمجموعات البيئية ومنظمات حقوق الإنسان. وبقيَ المصنع كما هو مع كميات خطيرة من الأسبستوس داخله وفي محيطه.
أظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعة البلمند عام 2019 أن لا يزال يستخدم الأسبستوس-أسمنت في بناء العديد من المنازل في شكا (الأنابيب والأسطح)، مما يشكل خطرًا كبيرًا على أحياء المدينة. ويفسّر الخبير: “الهياكل المصنوعة من الأسبستوس، مثل أي بناء من إسمنت، ألا وهو عرضة للتآكل. ومع تآكل هذه الهياكل، ستُطلق ألياف الأسبستوس وتُلوّث الهواء”.
في نيسان 2023، اجتمع عدد من الوزراء والخبراء لمناقشة المخاطر البيئية والتلوث والمخاطر الصحية وهم وزراء العدل، هنري خوري، والصحة العامة، فراس أبيض، والبيئة، ناصر ياسين، بالإضافة إلى رئيس لجنة البيئة البرلمانية، غياث يزبك، بحضور رئيس هيئة حماية البيئة في شكا بيير أبي شاهين، وأستاذ الجامعة جورج خوري، وعضو المجلس البلدي في شكا طوني البيك، بمشاركة القضاة إيلي الحلو، سمر جابر، وليا خوري.
ناقش الوزراء والخبراء التدابير اللازمة لضمان تنظيف كامل لمنطقة شكا وتفادي الآثار طويلة المدى للأسبستوس على الصحة العامة والبيئة. وبحثوا التقدم التكنولوجي الذي يمكن استخدامه لتنظيف المنطقة بشكل فعّال ودرسوا خيارات التمويل لدعم هذه الجهود.
كما اعترف الوزراء بالحاجة إلى تعويض العمال والسكان المحليين الذين عانوا من الآثار الضارة للتعرض للأسبستوس. وناقشوا إمكانية إنشاء صندوق تعويض لمساعدة الضحايا في الحصول على تعويض عادل عن الأضرار التي لحقت بصحتهم وجودة حياتهم. وبالإضافة إلى ذلك، شدّد الوزراء على أهمية توعية الجمهور بمخاطر الأسبستوس وتعزيز ممارسات آمنة لإزالته. ودعوا إلى تعاون دولي أقوى لمكافحة التلوث البيئي والمخاطر الصحية المرتبطة. وبشكل عام، شكّل الاجتماع خطوة مهمة نحو تنظيف واستعادة منطقة شكا وتعويض ضحايا التعرض للأسبستوس. ووعد الوزراء التعاون لضمان احترام معايير السلامة البيئية وحماية العمال والسكان المحليين من أخطار الأسبستوس.