


لن أترحم عليه
فبراير 23, 2025
A-
A+
اليوم، يُشيَّع الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله إلى مثواه الأخير، ومعه يُشيَّع تاريخٌ أسود فُرض علينا كلبنانيين على مدى عقود. لن أكون كاذبًا وأقول إنني حزين، ولن أمارس نفاقًا زائفًا وأدّعي أن الموت يجعل الجميع متساوين في الرحمة. لا، لن أترحم على رجل كان زعيمًا لميليشيا جعلت من لبنان رهينة، وأغرقتنا في حروب لم نخترها، وأدخلتنا في صراعات لم تكن يومًا من أجلنا.
كيف أترحم على من اعتبر السابع من أيار 2008 يومًا مجيدًا؟ ذلك اليوم الذي غزا فيه حزب الله بيروت وأطلق العنان لسلاحه ليحصد أرواح الأبرياء البيروتيين. ذلك اليوم الذي سقطت فيه كذبة “المقاومة” وتحولت إلى عصابة مسلحة لا ترى في أبناء الوطن سوى أعداء يجب القضاء عليهم.
طوال حياته السياسية، لم يكن حسن نصر الله يومًا زعيمًا لبنانيًا. كان ممثلًا لمشروع أجنبي، تابعًا لقرارٍ يأتيه من طهران، ينفّذه بلا تردد، حتى لو كان ذلك على حساب دماء اللبنانيين ومستقبلهم. لم يكن قرار السلم أو الحرب يومًا في يده، بل كان ينفّذ ما يُطلب منه، يدفع بالشباب اللبناني إلى الموت في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، من سوريا إلى اليمن، والعراق، وأخيراً لبنان في حرب الإسناد وتحت حجة “إسناد غزة” ولكن في الحقيقة كانت حرب إيران على أرضِ لبنان.
كيف لي أن أترحم على زعيم خرج ليحرض علنًا على قتل فئة من اللبنانيين فقط بسبب هويتهم الجنسية والجندرية، كأن له الحق في تحديد من يستحق الحياة ومن يجب أن يُعدم لمجرد أنه لا يتوافق مع أيديولوجيته.
حزب الله لم يكتفِ بجعل لبنان ساحة حرب، بل تمدد إلى سوريا ليشارك في قتل أهلها. تحت شعار “حماية المقامات”، ارتكب جرائم لا تختلف عمّا فعلته إسرائيل في فلسطين، اجتاح القرى، هجّر سكانها، قتل الأبرياء، واستوطن في أرضٍ ليست أرضه. كيف أترحم على من فعل في القصير وريف دمشق ما يدّعي أنه يحارب إسرائيل لمنعها من فعله في فلسطين؟
كيف يُطلب مني أن أترحم على من تورط حزبه بشكل مباشر في اغتيال رفيق الحريري؟ على من لم يتردد في تصفية لقمان سليم وغيره من الناشطين، فقط لأنهم تجرأوا على قول الحقيقة؟ على من وقف ضد ثورة 14 آذار، وقتل قادتها، الثورة التي كانت تطالب بخروج الاحتلال السوري واستعادة سيادة لبنان، وقام بتخوينها وتهديد كل من شارك فيها؟
أنا اليوم لست حزينًا، لكنني لست فرحًا
لن أقول إنني أحتفل بموته، فهذا ليس أسلوبي، لكنني مرتاح قليلًا. مرتاح لأننا اليوم ندفن ليس فقط رجلًا، بل فكرةً، مشروعًا، نهجًا قاد لبنان إلى الظلام. ندفن زعيم ميليشيا حكمنا بالسلاح والاغتيالات والخطابات التحريضية. ندفن من جعل الدويلة أقوى من الدولة ومن حمى الفاسدين والمجرمين ومنع العدالة عن قضية تفجير مرفأ بيروت…
ولهذا، لن أترحم عليه.