 
                                         
                                         
                                                                                                                
                                                                حزب العمال الكردستاني سلّم سلاحه… متى يأتي دور حزب الله؟
يوليو 16, 2025
A-
A+
في الأشهر الأخيرة، شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات تدريجية فيما يخص تسليم السلاح من قبل بعض الفصائل المسلحة، سواء نتيجة لضغوط سياسية، انطلاق أحاديث لعقد اتفاقات سلام جديدة، أو تطورات داخلية.
في سوريا والشمال التركي، وإقليم كردستان، وبعد ٤٠ عاماً من الكفاح المسلح، ألقى مقاتلو حزب العمال الكردستاني (PKK) أسلحتهم واحرقوها علناً أمام الكاميرات والصحافيين وذلك بعدما اعلن زعيم الحزب عبد الله أوجلان، السجين منذ عام 1999، الى ضرورة القاء السلاح والانخراط بالحياة السياسية.
وجرت عملية تسليم السلاح، يوم الجمعة، في إقليم كردستان العراق، في خطوة وُصفت بأنها محطة مفصلية في مسار تحول حزب العمال الكردستاني من العمل المسلح إلى الانخراط في الحياة السياسية والديمقراطية.
وكانت مجموعة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني قد أقدمت على خطوة وصفتها بـ”التاريخية” لإلقاء السلاح، “إيذاناً بإنهاء النشاط المسلح”، وضمن عملية يبدأ فيها الحزب حقبة جديدة ترتكز على “استخدام السياسة الديمقراطية للدفاع عن حقوق الأقلية الكردية”، بعد حرب مع السلطات التركية دامت واحداً وأربعين عاماً.
وفي الخطوة التي وصفت أيضاً بـ”الرمزية”، أقيم حفل في كهف في جبال كردستان العراق، شهد قيام ثلاثين مقاتلاً كردياً بتدمير عدد من الأسلحة، في مكان لم يُكشف عنه لأسباب أمنية.
وكان حزب العمال، المحظور، أعلن في 12 مايو/أيار الماضي، حلَّ نفسه وإلقاء السلاح، منهياً بذلك عقوداً من التمرّد ضد الدولة التركية، خلّف ما لا يقلّ عن 40 ألف قتيل، وتسبب لفترة طويلة في توتر علاقات السلطات التركية مع الأقلية الكردية والدول المجاورة.
بين الـPKK وحزب الله قواسم مشتركة؟
في أواخر سبعينيات القرن الماضي، أطلق عبدالله أوجلان مشروعه السياسي والعسكري عبر تأسيس حزب العمال الكردستاني، واضعًا نصب عينيه إنشاء دولة كردية تُنتزع بالقوة من قلب الدولة القومية التركية. ومع اندلاع التمرد المسلح في عام 1984، دخل الحزب واحدة من أطول وأعقد حروب العصابات في المنطقة، حروبٌ اتسمت بالعناد والإصرار، لكنها دفعت أثمانًا باهظة.
أما في لبنان، فقد تأسست شرعية حزب الله على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وغُرست في الوعي الجماعي الشيعي كحركة كرامة ودفاع عن الحدود. لكن مع انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2000، انفتح الحزب على العمل السياسي، ودخل الحكومات والبرلمان، دون أن يُجري مراجعة لمسألة السلاح. بل تحوّل السلاح إلى عنصر بنيوي في هويته، لا يقبل المساءلة، ولا يخضع لرقابة الدولة، ولا للمنطق العام.
وبينما عاش حزب العمال الكردستاني مطاردًا وملاحقًا، لم يتردد في إعادة صياغة مشروعه السياسي، والمشاركة في الحياة الديمقراطية داخل تركيا عبر دعم حزب الشعوب الديمقراطي، وبناء أنماط حكم مدني في شمال سوريا. لم تكن هذه التجربة خالية من التحديات، لكنها أثبتت أن التحوّل السياسي لا يعني الخضوع، بل القدرة على استعادة المبادرة من خارج منطق السلاح. واليوم، وبعد ٤٠ عاماً من الكفاح المسلح، اعلن حزب العمال الكردستاني عن تسليم سلاحه.
أمام هذه المشهدية، لماذا لا يتعلّم حزب الله من تجربة حزب العمال الكردستاني؟ لماذا لا يعيد التفكير في وظيفة السلاح، بعدما ثبت أن البندقية وحدها لا تصنع التحرير؟ فبعد عقود من امتلاك ترسانة عسكرية ضخمة، لم يُحرّر حزب الله شبراً واحداً من فلسطين، ولم يسترجع الأراضي اللبنانية المحتلة. بل على العكس، أسفرت الحرب الأخيرة عن تعزيز وجود الاحتلال الإسرائيلي داخل لبنان، مع تثبيت خمس نقاط استراتيجية جديدة داخل الأراضي اللبنانية، كلها جاءت نتيجة معركة قررها الحزب، وخسرها ميدانياً، وخرج منها مكلوماً، في الوقت الذي بقيت فيه إيران، حليفه الأكبر، تراقب من بعيد دون أن تحرّك ساكناً.
وفي ظل هذه المعادلة المختلّة، يُطرح سؤال مشروع: هل تمسك حزب الله اليوم بالسلاح، وتعنّته في رفض أي نقاش حوله، هو فقط لضمان “جهوزية المقاومة”؟ أم أن هذا السلاح بات موجّهًا فعليًا نحو الداخل اللبناني، كما حصل في أحداث 7 أيار 2008، حين استُخدمت البندقية في وجه شركائه في الوطن؟ هل بات السلاح وسيلة لإسكات المعارضين وفرض الوقائع بالقوة، لا لتحرير الأرض ولا لحماية السيادة؟
اليوم، يقف حزب الله أمام مفترق طريق: هل يستمر في التمسك بسلاح لم يعد يملك شرعية ميدانية ولا توافقًا وطنيًا؟ أم يجرؤ على الاعتراف بأن مرحلة “المقاومة المسلحة” انتهت، وأن الشرعية التي بُنيت على السلاح تتآكل من الداخل، لا من الخارج؟
قد لا يحتاج الحزب سوى إلى شجاعة الاعتراف بأن ما يحمي لبنان اليوم ليس فائض القوة، بل فائض السياسة والدبلوماسية، وقد آن الأوان للنزول عن العرش وركوب قطار التغيير الحاصل في منطقة الشرق الأوسط، كي لا يبقى لبنان وحيدًا.
