


إيران وعدم الاستقرار و”حزب الله الجديد”
يناير 31, 2025
A-
A+
على مدى العام الماضي، نجح التحالف الأميركي – الإسرائيلي في إضعاف نفوذ إيران في الشرق الأوسط بشكل كبير. ورغم الضربات القاسية التي تعرضت لها، لا تزال طهران ووكلاؤها يمثلون قوة مزعزعة للاستقرار. فمنذ عقود، استثمرت إيران بكثافة في بناء شبكات الوكلاء، مثل حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، وفصائل الحشد الشعبي في العراق، وجماعة الحوثيين في اليمن. وتخدم هذه التحالفات غرضين أساسيين: أولاً، كرادع ضد خصومها مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، وثانياً، كأداة لتعزيز نفوذها الإقليمي وتوسيع حضورها في المنطقة.
ضربات متتالية تقلّص النفوذ الإيراني
بدأت سلسلة الضربات التي أضعفت إيران باغتيال أحد أبرز قادة “محور المقاومة”، وهو الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. قتله لم يكن مجرد خسارة قيادية، بل أظهر قدرة إسرائيل على تصفية شخصيات بارزة، حتى لو كانت على مستوى المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي. كما أن حزب الله تكبّد خسائر فادحة، حيث استهدفت آلاف الغارات الجوية الإسرائيلية بنيته العسكرية التحتية، فضلاً عن توغل بري مستمر للجيش الإسرائيلي أسفر عن مقتل نحو 2000 مقاتل من الحزب، وفق التقارير، وإصابة أعداد كبيرة أخرى.
انهيار نظام الأسد وارتداداته على إيران
كان النظام السوري الهدف التالي، وهو الحليف الإقليمي الأقدم لطهران. ففي 8 ديسمبر/كانون الثاني 2024، فرّ الرئيس السوري السابق بشار الأسد إلى روسيا، معلناً بذلك نهاية حقبة استبدادية استمرت لخمسين عامًا منذ عهد والده. انهيار نظام الأسد وجه ضربة قوية لطموحات إيران في المنطقة، إذ تأثرت بشدة الميليشيات الإيرانية وقواعد الحرس الثوري الإيراني وشبكات الإمداد داخل سوريا، والتي كانت تمثل جسرًا استراتيجيًا لنقل الأموال والمعدات العسكرية إلى حزب الله. كما أن الوجود الإيراني في دمشق، والذي كان يُنظر إليه كتهديد أمني رئيسي من قبل إسرائيل، تقلّص بشكل كبير.
حماس في مأزق بعد ضربات إسرائيلية متواصلة
حماس، وهي وكيل رئيسي آخر لإيران، تعرضت بدورها لخسائر كبيرة. فبعد هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر، واجهت عمليات عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة في قطاع غزة، أدت إلى تدمير شبكات الأنفاق الواسعة، والبنية التحتية للقيادة، ومستودعات الأسلحة التابعة لها. كما أدى اغتيال قيادات بارزة في الحركة، وعلى رأسهم يحيى السنوار، إلى إضعاف قدراتها العملياتية. ورغم أن إيران كانت الممول الرئيسي لحماس وقدمت لها التدريب العسكري، إلا أن قدرتها على الاستمرار كقوة عسكرية مؤثرة تراجعت بشكل كبير. كما أن فقدان طرق الإمداد الحيوية عبر سوريا وإضعاف حزب الله في لبنان زاد من عزلة الحركة.
الحوثيون: “حزب الله الجديد” وصعود القوة اليمنية
ورغم كل هذه الانتكاسات، برز الحوثيون في اليمن كقوة مؤثرة قادرة على إثارة اضطرابات واسعة، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل على مستوى العالم. ويُشار إليهم بشكل متزايد بـ”حزب الله الجديد”، باعتبارهم أقوى وكلاء إيران حاليًا. وخلال العام الماضي، كثّف الحوثيون استهداف إسرائيل بالصواريخ الباليستية، وأسقطوا طائرات أميركية مسيّرة تقدر قيمتها بملايين الدولارات فوق اليمن، كما شنوا هجمات على سفن الشحن المارة عبر مضيق البحر الأحمر.
إعادة التموضع الإيراني: من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن
في هذا السياق، يبدو أن إيران بدأت في تحويل تركيزها من لبنان وسوريا وغزة إلى العراق واليمن. ومع الاستعدادات الأميركية للانسحاب من العراق، تجد طهران فرصة استراتيجية جديدة لتعزيز نفوذها هناك وتعويض الخسائر التي لحقت بها في مناطق أخرى.
تُظهر قدرة إيران على التكيف وإعادة تموضع نفوذها مدى مرونة استراتيجيتها الإقليمية. فمع صعود الحوثيين كقوة مهيمنة والفراغ المتوقع في العراق، تمتلك طهران فرصًا جديدة لإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي لصالحها، مما يضمن لها حماية نفسها من أن تصبح الهدف الرئيسي التالي للهجمات الإسرائيلية.