“فُرصة” من واشنطن لبيروت… ماذا علينا أين نفعل؟

يوليو 9, 2025

A-

A+

في بلد تعوّد تفويت اللحظات المصيرية، تتردّد اليوم كلمة “فرصة” كما لو أنها خشبة خلاص. الجميع ينطقها، لكن قلّة تعرف معناها. ما هي هذه الفرصة التي يتحدثون عنها؟ ومن أين جاءت؟ ولماذا فجأة صارت المخرج الوحيد من نفق الانهيار؟ هل هي فعلًا لحظة نادرة، أم مجرّد وهم جديد نعلّق عليه خيبتنا القادمة؟

“فرصة توم برّاك” ليست مجرّد اقتراح سياسي، بل هي انعكاس لتحوّل دولي أوسع يُعاد فيه ترتيب أوراق المنطقة. هذه الفرصة لا تأتي كثيرًا، خصوصًا لبلدٍ أتقن الانهيار، وتفنّن في تفويت اللحظات. السياق تغير، والأبواب لم تُفتح لأن أحدهم أحبّ لبنان فجأة، بل لأن ميزانًا إقليميًا جديدًا يُبنى، ولبنان مدعوّ ـ للمرة الأخيرة ربّما ـ ليختار: هل يريد أن يكون دولة حقيقية، أم مجرّد وهم لدولة محكومة بالسلاح والفساد والتبعية؟

الفرصة ليست وصفة خارجية، ولا إنذارًا متنكرًا. هي ببساطة سؤال مباشر: هل نريد العودة إلى منطق الدولة؟ هل نريد مؤسسات؟ سيادة؟ قانون؟ حياة؟ إذا لم نلتقط هذه اللحظة، فلن نعود حتى إلى مستوى الانهيار الذي عرفناه في ٢٠٢١ أو ٢٠٢٢، بل سنغرق في ما هو أدنى، أعمق، وأبشع.

ستبقى كهرباء لبنان وكراً منظماً للسرقة، وسيواصل الصحفي كتابة كلماته وهو يرتجف، وستبقى أعناق الأحرار مشرّعة للذبح، والكلمة الحُرّة مصلوبة في حناجر أصحابها. سيبقى الإعلام ممرًا لخنازير السلطة كي يبرّروا لنا استمرار وجودهم، وسيُستكمل دفن الحقيقة باسم “الواقعية السياسية”.

إذا لم نقرّر اليوم، ستظلّ حدودنا الجنوبية بلا سيادة، وسكان الجنوب محرومين من الإعمار والعودة. شمالًا، ستبقى الحدود سائبة، والتهريب مستمر، والسيادة رخوة. سنبقى خارج خارطة الغاز، وخارج خطوط النقل، وخارج أي شبكة استثمار أو دور إقليمي. لبنان سيواصل تقلّصه، حتى يتلاشى من الذاكرة.

وسنجد أنفسنا مجددًا في وجه لبنان الذي لا نريده: لبنان العتمة والدمار، لبنان القمامة في الشوارع، والأنهار المسمومة، والبحر الممنوع، والطرقات المحفّرة، والقهر المزمن. لبنان الذي لا يُشبه أبناءه.

في لحظات كهذه، لا مجال للتردد. الفرصة، هذه المرّة، لن تنتظر.

“فرصة توم برّاك” قد تكون آخر دعوة للمشاركة في بناء لبنان جديد، بحدّ أدنى من السيادة والحياة. فإمّا أن نُمسك بها، أو نواصل السقوط، وهذه المرّة بلا قاع.