مهما ارتفعت نبرة نعيم قاسم: الشرعيّة وحدها من ستخرج الحزب من عنق الزّجاجة

أغسطس 29, 2025

A-

A+

بالرغم من كل التهديدات التي يطلقها مسؤولو حزب الله، من محمد رعد إلى نعيم قاسم، وبالرغم من الخطابات التي تحاول التأكيد على رفض أي تعاون مع الدولة اللبنانية، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن الحزب محاصر من كل الجهات، ومكبّل بمسارات أربعة لم يعد له ترف التلاعب بها.

الخيار الأميركي:

الولايات المتحدة ما زالت تطرح على حزب الله مقايضة واضحة: التخلي عن السلاح مقابل مكاسب سياسية تتيح له التحول إلى حزب كبقية الأحزاب اللبنانية. لكن الحزب فوّت على نفسه هذا المسار في محطات سابقة، أبرزها ما طُرح في ورقة توم براك وما تلاها من زيارات متكررة له ولمورغان أورتاغوس، وأعضاء في الكونغرس الأميركي إلى بيروت. العروض لم تكن مجرد ديبلوماسية شكلية، بل محاولات جديّة لفتح مخرج مشرّف، غير أن الحزب تعامل معها برفض قاطع.

الخيار السوري:

الخيار الأكثر حساسية. فحزب الله لم يستوعب بعد أن الذين قاتلهم في سوريا وصَفّاهم يومًا كخصوم إرهابيين، باتوا اليوم في سدّة الحكم. ورغم إعلان الرئيس السوري أحمد الشرع مسامحته للحزب، إلا أن هذه المسامحة شكلية وبروتوكولية فرضتها ضرورات السياسة. حقيقة الأمر أن الذاكرة السورية مثقلة بدماء ثوّار ومدنيين قُتلوا على يد الحزب. من الشمال والشرق، لم يعد أمام حزب الله أي مجال مناورة، بل جدار سوري جديد يضيّق عليه الخناق.

الخيار الإسرائيلي:

الخطر الدائم الذي لا يحتاج إلى إثبات. إسرائيل تترقّب اللحظة المناسبة، وتملك القدرة على توجيه ضربات قاصمة للبنية العسكرية للحزب في أي لحظة. هذا المسار هو الأكثر وضوحًا، والأكثر كلفة على الحزب وبيئته، حيث أنّ أي مواجهة قد تعني تدميرًا واسعًا للبنية العسكرية، ولحاضنته الشعبية في الجنوب والضاحية.

الخيار الوطني الداخلي:

المسار الوحيد المتاح اليوم أمام الحزب إذا أراد الخروج من عنق الزجاجة. أن يظهر كشريك وطني حقيقي ويسلّم سلاحه للدولة، من دون افتعال مواجهات داخلية أو دفع الشارع نحو فتنة طائفية. آخر ما يريده الحزب اليوم هو أن يتحوّل الداخل اللبناني إلى صراع شوارع، لأنه يدرك تمامًا أنه بات الخاسر الأكبر في كل المعارك: سياسيًا، عسكريًا، وحتى على مستوى صورته داخل بيئته.

حزب الله محاصر بأربعة مسارات متوازية: أميركية، سورية، إسرائيلية، ووطنية داخلية. كل مسار منها يضيّق الخناق عليه بطريقته، من الترغيب بالعروض السياسية، إلى التهديد بالانتقام، إلى خطر الضربات العسكرية، وصولًا إلى الإجماع الوطني الذي يتشكّل شيئًا فشيئًا حول فكرة أن الدولة وحدها يجب أن تمسك بالسلاح.

الحزب اليوم في وضعية تراجعية واضحة. فقد خسر هامش المناورة الإقليمية بعد تغيّر المشهد السوري، وهو مقيّد في الداخل اللبناني، ومحاصر خارجيًا. قد يطيل أمد خطاباته، وقد يرفع سقف تهديداته، لكن النتيجة النهائية محسومة: سلاح «حزب الله» لم يعد قدرًا دائمًا للبنان، بل مسألة وقت قبل أن يوضع تحت سلطة الدولة.