لاريجاني في بيروت… أي صفقة تُطبخ هذه المرّة؟
أغسطس 13, 2025
A-
A+
وصل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، اليوم إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، حيث كان في استقباله ممثلون عن وزارة الخارجية اللبنانية، ومكتب رئيس مجلس النواب نبيه بري، إضافة إلى ممثلين عن حزب الله، وحركة أمل، وحركة الجهاد الإسلامي. وبالتوازي مع الزيارة، اصطف مناصرو حزب الله على طريق المطار، رافعين أعلام إيران وحزب الله، وصورًا للاريجاني والمرشد الإيراني المريض علي خامنئي.
الاستقبال الحاشد لم يكن مجرّد لفتة بروتوكولية، بل يحمل دلالات سياسية عميقة، خصوصًا في ظل تصاعد النفوذ الإيراني في لبنان بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت حزب الله، والمرسوم الذي أصدرته الحكومة اللبنانية مؤخرًا بشأن نزع سلاح الحزب.
في كلمته، أكد لاريجاني أن إيران “ستقف إلى جانب الشعب اللبناني في جميع الظروف وستدافع عن مصالحه العليا”، لكن في نظر المعارضين لحزب الله، يُترجم هذا التصريح كإصرار واضح من طهران على ضمان بقاء الحزب واستمرارية نفوذها في لبنان.
وفي محاولة لطمأنة الداخل، قال لاريجاني إن “إيران لا تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية” ولا تسعى إلى “إحداث شرخ في العلاقات بين البلدين”، وهو تصريح يتناقض مع مواقف سابقة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي انتقد خطة نزع سلاح حزب الله. كما قال بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري إن “السياسة الإيرانية تقوم على مبدأ ضرورة أن تكون دول المنطقة المستقلة قوية وقادرة”، وهو ما يتناقض بدوره مع التمويل المستمر الذي تقدمه طهران لحزب الله عبر شبكات غير شرعية وطرق التهريب، ما أتاح للحزب بسط سيطرته على الدولة اللبنانية منذ انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية عام 2016.
تأتي هذه الزيارة في ظل توتر متصاعد بين الحكومة اللبنانية الحالية وطهران، لا سيما بعد تصريح لافت لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال فيه إن “خطة الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله ستفشل”. وفي المقابل، سارعت أحزاب لبنانية معارضة للحزب، كالقوات اللبنانية والكتائب، إلى التنديد بالزيارة واعتبارها انتهاكًا للسيادة اللبنانية، وهو اتهام قد لا يكون بعيدًا عن الواقع. فالحشد الجماهيري الكبير الذي رافق الاستقبال كان رسالة مزدوجة: أولًا للخصوم المحليين، وثانيًا لواشنطن وتل أبيب، مفادها أن إيران لا تزال حاضرة بقوة في لبنان وتدعم حزب الله دون تراجع.
ما الذي تعنيه هذه الزيارة؟
الزيارة تجمع بين البعد الإعلامي الدعائي من جهة، والمناورة السياسية من جهة أخرى لحماية ما تبقّى من ترسانة حزب الله. واستنادًا إلى التحليل المرتبط بالحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، لا تزال طهران تعتبر حزب الله خط الدفاع الأول في مواجهة إسرائيل. فعملية “قطع رأس” الحزب واغتيال حسن نصرالله، بحسب ما يُنسب لإسرائيل، هي ما شجّعها لاحقًا على توجيه ضربات مباشرة إلى طهران بدعم أميركي واضح. من هذا المنطلق، تعتبر إيران أن وجود حزب الله في لبنان يشكّل ضرورة استراتيجية وأمنية قصوى.
لكن هذه المناورة لا تخلو من المخاطر، إذ إنها تزيد الضغط على الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام لتنفيذ قرار مجلس الوزراء القاضي بنزع سلاح الحزب. ومع تزايد الضغط الدولي، خاصة من الولايات المتحدة، والغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة، وعمليات الاغتيال والتدمير الممنهج للقرى الحدودية، تجد الحكومة اللبنانية نفسها في موقع لا تُحسد عليه.
من ناحيته، لا يرى حزب الله أن سلاحه قابل للتفاوض أو التنازل. ومن الواضح أن الحزب لن يسلم ترسانته للجيش اللبناني، إذ إن السلاح ليس مجرد أدوات عسكرية، بل هو امتداد استراتيجي وعقائدي للمرشد الأعلى في طهران. وبغياب الموافقة الإيرانية، سيبذل الحزب كل ما بوسعه للاحتفاظ به.
وهنا، تصبح الصفقة مكلفة جدًا. فكما أشرنا سابقًا، فإن التحالف الأميركي – الإسرائيلي يبدو مصرًّا على نزع سلاح حزب الله، سواء عبر الدبلوماسية أو عبر المواجهة العسكرية. أما الحزب، فيفضّل الاصطدام بإسرائيل على أن يواجه الجيش اللبناني. وهكذا، يبقى لبنان محاصرًا، ممزقًا أكثر فأكثر بين شد الحبال الإيراني – الأميركي، وهو واقع قد يطول أمده، ويُبقي البلاد في مأزق وجودي عميق.