أطفال مغاربة يواجهون “البيدوفيليا” في صمت

يونيو 2, 2025

A-

A+

تتكرّر حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال بشكلٍ أصبحَت معه مطالب تشديد العقوبات في مواجهة المتحرّشين والمعتدين جزءً من الملفات التي تأسّست من أجلها جمعيات وهيئات مدنية في السنوات الأخيرة.

أصواتٌ مؤلِمة وصرخاتٌ لكياناتٍ بشرية في بداية الطريق نحوَ عمرٍ مليءٍ بالتجارب والمشاعر والتفاصيل، تُسمَع بين الحينِ والآخر إذا امتلك الطفل أو أسرته جرأة الجهرِ بالاعتداء أو التحرّش وإلقاء الكرة في يدِ المجتمع الذي لا يزال يتعامل مع هذا النوع من الجرائم بكثير من الاستخفاف.

دراسة مغربية أنجزتها جمعية «أمان» والمبادرة العالمية للأولاد «GBi» بالتعاون مع «ECPAT» سنة 2023 كشفت أن من أصل 5069 حالة عنف ضد الأطفال، تُشكّل الإناث 61 في المئة، والذكور 39 في المئة.

وتشير الدراسة نفسها إلى أن حالات العنف ضد الأطفال ارتفعت في المغرب بين سنتَي 2012 و2018، ومعها تطوّرت بشكل كبير وسائل العنف الجنسي، سواء المستور أو المفضوح، في مواجهة الأطفال، ذكوراً أو إناثاً.

«غادرنا المغرب، لكن تفاصيل تلك الاعتداءات المتكرّرة لم تغادرنا أبداً. نعم، نستطيع اليوم أن نعيش حياتنا بشكل عادي لكِن أبسط موقف يذكّرني بما عِشتها في طفولتي»

بيت مشؤوم

في إحدى أغرب الوقائع، تكشف مهى (25 سنة)، وهي مغربية مقيمة ببلجيكا، أنها تعرّضت حين كانت في السادسة من عمرها للاعتداء الجنسي من طرف خالها، وذلك في منزل عائلتها بمدينة في جنوب المغرب.

مهى لم تكن وحدها من تعرّضت للاعتداء والتحرش من طرف خالها، بل كان شقيقها الأكبر، الذي يبلغ من العمر تسع سنوات، يتعرّض لنفس الاعتداءات من نفس الشخص الذي تربطهم به قرابة الدم.

«لم يكن خالي يواقعني مواقعة الكبار، لكنه كان يتحسّس جسدي ويمارس معي ممارسات سطحية»، تقول مهى في معرض حديثها مع «تروث ترند»، مضيفة أنها اكتشفت أنه يقوم بالأمر نفسه مع شقيقها عن طريق الصدفة، بعد أن وجدته يقوم بذلك معه في غرفة بسطح المنزل.

عاشت مهى وشقيقها قصتهما في صمت، لأكثر من ثلاث سنوات من الاعتداء الجنسي، حيث كان المجرم يهدّدهما بالفضيحة إذا قررا قول أي شيء لأي من أفراد العائلة.

وفي السياق نفسه، أوضح التقرير الذي أنجزته المؤسسات المذكورة في مطلع المقال أن الجاني في حالات العنف والاعتداء الجنسي على الأطفال يكون في الغالب صديقاً للعائلة، أو الأب، أو زوج الأم، أو أحد الأقارب. كما أن غالبية المتعرّضين للاستغلال والاعتداء الجنسي تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات.

الفضيحة ووهم الخوف

يرى عبد الله الخروف، الباحث في علم نفس الأطفال، في حديث لـ«تروث تراند» أن سهولة الوصول والثقة والطمأنينة من بين الأسباب العلمية التي تفسر كون الجناة في قضايا الاعتداء على الأطفال غالباً ما يكونون من الأقارب.

ويضيف المتحدث نفسه أن الجاني في حالة القرابة دائماً ما يكون في موقع قوة أو تأثير على الطفل، مما يجعل استغلاله أسهل مقارنة بالأشخاص المجهولين، فضلاً عن سعي العائلات في كثير من الحالات للتستَّر تفادياً للفضيحة أو لتأثير السلطة الاجتماعية.

وفي السياق نفسه، تقول مهى: «حينما وجدت نفسي في ذلك النوع من العلاقات الشاذة المتكرّرة مع خالي، لم أستطع البوح وقول الحقيقة، لأنني كنت أعلم أن لا أحد سيصدقني».

يركن عدد كبير من الأطفال وراء وهم «الخوف» من أجل إخفاء ما يتعرّضون له من اعتداء وتحرش جنسي، كما يقول عبد الله الخروف. وتعيش العائلات التي تعرّض أبناؤها لاعتداءات من هذا النوع شيئاً من محاولة تفادي «الفضيحة» أو «العار» الذي قد يلاحق العائلة.

أي مستقبلٍ للطفل المُغتصب؟

تصبح الحياة جزءًا من الجحيم، وتُضحي «الثقة» شيئًا مفقودًا لدى الطفل الذي تعرّض للاعتداء الجنسي في مراحل متقدّمة من عمره.

تقول مهى محاورة “تروث ترند”: «كنتُ، ومنذ اليوم الأول الذي أدركتُ فيه أنني أتعرّض للاعتداء من طرف خالي، أَنتظِر اليوم الذي يمكنني فيه مغادرة المغرب». وتضيف: «نفس الشعور كان يُخالِج شقيقي الأكبر، وصارحني به أكثر من مرة».

لا يمكن للطفل الذي عاش نفس التجربة أن ينساها في يومٍ من الأيام، بل تظل ملاصِقة له طيلة بقية حياته، وهذا ما وقع مع مهى وشقيقها.

غادرنا المغرب، لكن تفاصيل تلك الاعتداءات المتكرّرة لم تغادرنا أبداً. نعم، نستطيع اليوم أن نعيش حياتنا بشكل عادي لكِن أبسط موقف يذكّرني بما عِشتها في طفولتي، تقول مهى. 

يرى الباحث عبد الله الخروف، بأن هنالِك عدة وسائلٍ لمواجهة الاعتداءات الجنسية على الأطفال وهي في الغالِب وقائية، ويضيف بأن الوقاية والتوعية تمنع وقوع الاعتداء في الأصل ولا تضَع الزجر في مواجهته بعد وقوعه. 

الوقاية خير من العلاج 

يقول الخروف «لحماية الأطفال وقائيًا من الاعتداءات الجنسية، يجِب على الأسرة أن تعتمد التوعية المبكرة عبر تعليم الطفل أسماء أعضائه الجسدية بطريقة صحيحة، تلقينه أن هناك أماكن خاصة لا يُسمح لأحد بلمسها، هذا إضافة إلى بناء الثقة تهيئة جو من الأمان في الأسرة ليشعر الطفل بالراحة في الحديث عن أي شيء يزعجه دون خوف».

يزيد المصدر نفسه، «يجب وضع حدود واضحة عبر تعليم الطفل أن من حقه أن يرفض أي لمس غير مريح، حتى لو كان من شخصاً مقرّباً، مع تفادي جعل موضوع مثل هذا “تابو” غير قابْل للنقاش أو التحاور، فغياب التواصل من شأنِه أني يخلق بين الإبن وأسرته نوعاً من التكتم وهذا أمر غير صحّي».

وينصح الباحث في علم النفس بعدم ترك الطفل بمفرده مع أي شخص لفترات طويلة، حتى لو كان من الأقارب، دون سبب ضروري.

هكذا ببساطة، أطفال كُثُر غير مهى وشقيقها تعرّضوا ولا زالوا لاعتداءات جنسية خلّفت ندوباً كبيرة في ذاكِرتهم ونفسيتهم. وحوش أدميون ومرضى نفسيّون حوّلوا حياة أطفال في بداية عمرهم لجحيمٍ يؤثر على ما تبقى من عمرهم، فمن لم يتمكن من البوح على الأقل عليه أن يتمكن من الوقاية.