


رسالة حرّة من تلميذ لم يرَ أستاذه
يونيو 6, 2025
A-
A+
قرّرت أن أكتب اليوم تحديدًا عن سمير قصير، قاصدًا ذلك. لا أريد أن تضيع أحرفي في زحمة المقالات، التي لا شكّ أنها صادقة، لكنني أريد لكلماتي أن تنفرد، وتُعيد الحديث مجددًا عن سمير.
هذه المرّة، لن أستخدم ChatGPT، لربما سقط سهوًا خطأ إملائي هنا أو هناك.
هذه المرّة، لن أقرأ ما سأكتبه عندما أفرغ من الكتابة. هذه المرّة، أريد لكلماتي أن تصل كما هي، بحرّية، يعشقها سمير، وأقدّسها أنا.
أكتب هذه المرّة على ورقة، في دفتر مذكّراتي، بقلم حبرٍ أزرق، لا تُمحى كلماته، لأنها لا تعود للوراء، ولا تخاف من الورقة. قلم أزرق، لوّنته السماء، ومنحت حبره بعضًا من فضاءاتها.
سمير قصير… الذي علّمني السياسة اللبنانيّة، عندما قرأت كتابه الأوّل: “حرب لبنان: من الشقاق الوطني إلى النزاع الإقليمي”. الذي علّمني كيف أستيقظ باكرًا وهمّي كيف أكون حرًّا هذا اليوم، وكيف أكسر كلّ الحدود. الذي علّمني كيف أقول الحقيقة. صحيح أنني “أكلت قتلة”، ولكنني شعرت للمرّة الأولى أن كلماتي وصلت، وعندما وصلت أوجعت، وبعدما أوجعت أغضبت كلّ من “تحت باطه مسلّة”.
كان سمير قصير أستاذًا قبل موته، وبقي أستاذًا بعد موته. علّمني الصحافة التي لم أدرسها يومًا. درست الحقوق، أجزتُ بها، وأكملت دراساتي العليا بها أيضًا. لكنني عملت كصحافيّ، فكنت رئيس تحرير، ثمّ ثرت على من ظلمني، فعدت محرّرًا في مكانٍ آخر، أكتب ما أريد، أشرب قهوتي، وأندفع بحماسٍ مدافعًا عن أفكاري.
سمير لم يكن سياسيًّا، ولا دبلوماسيًّا، ولا حتّى مجرّد صحفيّ. سمير كان أستاذي الذي لم أره يومًا، وبقي رغم ذلك خالدًا في ذاكرتي. سمير، الذي كلّما كتبت أذكره، وكلّما قرأت أتذكّره… سمير، الذي أورثني، أنا الغريب عنه دمًا، متلازمة الحريّة البيضاء. كما هي. كما يريدها هو، وأرتضيها أنا.