بعد الدمار و الحصار: تفاقم الأزمة الانسانية في السويداء

أغسطس 20, 2025

A-

A+

الصورة 1: خريطة تُظهر مناطق السيطرة الحالية في محافظة السويداء.

تشهد محافظة السويداء السورية تدهورًا مستمرًا في أوضاعها الإنسانية، في أعقاب أسابيع من العنف والدمار، وما تلاها من حصار خانق. فالمحافظة التي شهدت مواجهات عنيفة في منتصف تموز بين مجموعات مسلحة محلية، وقوات الحكومة السورية، ومقاتلين عشائريين، باتت معزولة عمليًا عن بقية البلاد منذ إعلان وقف إطلاق النار في 19 تموز. ومع النقص الحاد في الغذاء والدواء والمحروقات، باتت قوافل الإغاثة القادمة من درعا المجاورة هي الشريان الوحيد للحياة، رغم محدودية الاستجابة المحلية والدولية.

من نزاع محلي إلى صراع واسع النطاق

بدأت شرارة التصعيد في 13 تموز إثر عمليات خطف متبادلة بين أبناء الطائفة الدرزية ومجتمعات بدوية محلية في حي المقوس بمدينة السويداء، وسرعان ما تحوّلت إلى مواجهات مسلحة واسعة شملت مقاتلين عشائريين من مختلف أنحاء سوريا، وتدخّلت فيها لاحقًا القوات الحكومية إلى جانب العشائر.

ورغم أن الحكومة تدخلت في بادئ الأمر للفصل بين الأطراف، إلا أن وحداتها ما لبثت أن انخرطت في القتال، وارتكبت انتهاكات وصفت بأنها تكرار لمجازر الساحل السوري. شهود عيان تحدثوا عن جنود في البزة العسكرية الحكومية، وعناصر من تشكيلات أمنية مستحدثة، ارتكبوا فظائع بحق المدنيين.

وأكدت مصادر لـ”تروث تراند” أن مقاتلين عشائريين – وأحيانًا قوات حكومية – اقتحموا ريف السويداء الغربي، ودمّروا آبار المياه، وسرقوا المواشي، وأحرقوا البيوت والبساتين والمحاصيل، وارتكبوا مجازر بحق الأهالي. وأشار مصدر من المجلس الصحي في السويداء، إلى أن عدد القتلى بلغ نحو 2000 شخص، مرجّحًا ارتفاعه مع تمكين المحققين المستقلين من دخول المناطق المحاصرة.

تدخل إسرائيلي ثم هدنة

في 16 تموز، شنّت إسرائيل غارات جوية استهدفت  القوات الحكومية المتقدمة، ومبنى وزارة الدفاع، وقيادة الأركان، والقصر الجمهوري في دمشق، محذّرة الحكومة من التمادي في الهجوم. وعقب الانسحاب الجزئي لقوات الحكومة، اندفعت قوات عشائرية نحو السويداء، قبل أن تتدخل إسرائيل مجددًا في 17 تموز وتقصف قوافلهم، ما أدى إلى وقف إطلاق النار في 19 تموز.

وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، نزح أكثر من 192 ألف شخص، معظمهم داخل السويداء، فيما فرّ آخرون، خصوصًا من المجتمعات البدوية، إلى درعا وريف دمشق خوفًا من الانتقام.

الحصار يفاقم أزمة الغذاء

تسبب الحصار بقطع الإمدادات التجارية من غذاء ودواء ومحروقات. وقال  نادر (وهو اسم مستعار) أحد سكان المدينة: “الطعام يختفي تدريجيًا من الأسواق”. إذ تعاني الأسواق من نقص حاد في الخضروات والفواكه، نتيجة توقف النقل، وسيطرة العشائر والحكومة على الأراضي الزراعية.

تربية الدواجن تضررت بشكل كبير مع انقطاع الأعلاف، ما دفع مزارعين إلى ذبح الدواجن وتوزيع لحومها، وسط مخاوف من اختفاء البيض واللحم قريبًا. أما الحبوب، فبقيت متوفرة نسبيًا بفضل مخزونات بعض التجار، إلا أن توزيع الخبز يعاني من تقطع حاد.

فارس (وهو اسم مستعار)، مزارع من بلدة شقا، وصف طوابير المخابز بأنها تفوق الـ200 شخص.قال بأن “ليس الجميع يحصل على الخبز، وجودته رديئة”.

القطاع الصحي يئن تحت الحصار

قبل الأزمة، كانت مستشفيات السويداء تعاني نقصًا في الموارد والكوادر. ومع اندلاع القتال، استقبلت المستشفيات مئات المصابين رغم محدودية قدراتها. في 16 تموز، اقتحمت القوات الحكومية مستشفى السويداء الوطني، واعتدت على الكادر الطبي، وأعدمت المتطوع محمد بحصاص داخل المستشفى.

منذ بدء الحصار، لم يتمكن مرضى الأمراض المزمنة من الحصول على علاجاتهم، وواجه نحو 9600 مريض سرطان انقطاعًا في الأدوية والعلاج الكيميائي. وتوفيت الناشطة والمصابة بالسرطان شهيرة فياض الطرودي عزام في 11 آب، بعد حرمانها من العلاج.

أزمة المحروقات تشل الحياة اليومية

تسبب انقطاع البنزين في شلل شبه تام للنقل والخدمات البلدية. فارتفع سعر الليتر إلى 200 ألف ليرة سورية (نحو 19 دولارًا). وتوقفت وسائل النقل العامة خارج مدينة السويداء، وتراكمت النفايات في الأحياء بسبب توقف شاحنات البلدية، ما أثار مخاوف صحية كبيرة.

أفاد أحد السكان لـ”تروث تراند” أن منع البنزين يهدف إلى شل حركة المجموعات المسلحة الدرزية، بينما يُسمح جزئيًا بمرور شحنات ديزل للمستشفيات ومحطات المياه.

السويداء “تطلّق” الحكومة السورية

الصورة 2: أحمد الشرع خلال لقائه ممثلي أبرز الفصائل المسلحة في السويداء بتاريخ 24 شباط. ويظهر ممثل “حركة رجال الكرامة”، محنّس أبو حلا، واقفًا إلى يسار الرئيس الشرع. (المصدر: سانا)

قال الشيخ باسم أبو فخر، المتحدث باسم “حركة رجال الكرامة”، التي هي من أبرز الفصائل المسلحة في السويداء, لـ”تروث تراند” إن حركته كانت على تنسيق سابق مع الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، وساهمت في تجنيد عناصر للأجهزة الأمنية  في المحافظة، لكن ذلك التعاون انتهى بعد الهجوم على السويداء وسكانها.

واتهم أبو فخر الحكومة والعشائر بفرض الحصار سويًا، منتقدًا تقاعس دمشق عن حماية أبناء الطائفة الدرزية .كما اعتبر “الحكومة و اسرائيل وجهين لعملة ارهابية واحدة” قائلا بأن “أفعال حكومة دمشق الارهابية جعلت السويداء أرض خصبة للتدخل الاسرائيلي”. وقال: “السويداء طلّقت الحكومة السورية الحالية”، مشددًا على أن الحركة لن تتعامل سوى مع حكومة مستقبلية تمثل كل مكونات الشعب السوري.

موقف الفصائل المسلحة في السويداء تجاه الحكومة يعكس تزايد مشاعر سكان المحافظة المعادية للحكومة. في 1 آب، خرج مئات السكان في مظاهرات تطالب بانسحاب القوات الحكومية من حدود السويداء الإدارية، ورفع الحصار، ودعت لتشكيل لجنة تحقيق دولية في الانتهاكات التي حصلت.

أزمة مرجحة للتفاقم

المواجهة بين المجموعات الدرزية والحكومة السوري تنذر باستمرار الحصار، ما يهدد بمزيد من التدهور في الأوضاع الإنسانية. ومع نفاد الإمدادات، وتزايد النقص في الغذاء والمحروقات و الدواء، واستمرار تكدّس النفايات، تتصاعد المخاطر الصحية وتزداد مشقة الحياة اليومية.

غياب حلول فعلية، واستمرار العزلة، سيعززان من نقمة السكان على الحكومة، ويجعلان من أي محاولة للمصالحة أمرًا بعيد المنال.



ملاحظة: تمّت ترجمة هذا المقال من النسخة الأصلية باللغة الإنجليزية إلى العربية.